منوعاتفنمنوعات

مسلسل آسر: قراءة في الأداء السوري ضمن دراما مقتبسة

أخذت الدراما التركية المعرّبة مكانها بين الجمهور السوري عبر خطواتٍ أولها كانت الدبلجة باللهجة العاميّة، فحفرت أصوات مكسيم خليل ولورا أبو أسعد في أذهاننا قصّة مسلسل “نور” الذي تمت دبلجته في سوريا واشترت حقوق عرضه مجموعة MBC، لتتوالى الأعمال بالظهور على الشاشة مع اختلاف القصص كـ “وادي الذئاب” و “لميس” بأصوات الممثلين السوريين، وعقب فترة جيدة من حضور الدراما اللبنانية السورية المشتركة الـ “بان آراب” التي استندت أحياناً إلى أعمال نصوص تركيّة وخضعت لإعادة الصياغة بما يناسب أبطال الحكاية العربية، وجدت MBC نفسها أمام باب جديد فسح لها المجال بإعادة إنتاج الأعمال التركية ضمن نسخ عربية كاملة، ضمّت أسماء نجوم الدراما السورية على قوائم أبطالها، فوصل هذا القطار الإنتاجي الذي بدأ من  “عروس بيروت” إلى محطة “آسر” وهو النسخة العربية من مسلسل “إيزيل”.

دراما هجينة على الشاشة لكننا شاهدنا الاستنساخ مراراً وتكراراً في عروض المسرح العالمية، روميو وجولييت شكسبير والتي إلى الآن نراها تُعرَض على خشبات ومسارح العالم بنسخ متعددة منها العرض الكامل والمعاد كتابته ليناسب مجتمع الجمهور خير مثال على ذلك، هذه الأعمال المعرّبة جاءت تلبية لعصر المنصات ضمن ظرف إنتاجي سقفه مرتفع، حدد الإخراج والعمليات الفنية للجانب التركي، وترك مساحة التمثيل والأداء للفنان السوري إلى جانب اللبناني، ورغم مواجهة هذه النوعية من الأعمال لمطبّات عدة أبرزها معرفة الأحداث والنهاية المعروفة بشكل مسبق، استخدام حلول وتبريرات  سواء في العلاقات العاطفية أو الأحداث المربكة تبدو أحياناً خيالية غير منطقية للجمهور السوري أثناء قولبة الحكاية من البيئة التركية، خصوصاً وأن أحداثها تتداخل بين سوريا ولبنان، وتهيئة مواقع التصوير في تركيا لتشبه إلى حد كبير البيئة السورية واللبنانية، إلا أن حضور الممثل السوري وبراعته في الأداء عبر اختيار الأدوات المناسبة، ساعده في تقديم دراما حققت مبتغاها واقتربت من المشاهد المحلّي عملاً بعد آخر، والذي يمكن تلّمسه من التعليقات والآراء في مقاطع التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو التي تجتزأ من تلك الأعمال ويعاد نشرها.

 

مسلسل “آسر”

بالوصول إلى مسلسل “آسر” العمل الذي تبثّه شاشة “MBC” ومنصة شاهد كنسخة عربية من “إيزيل”، فالقصّة المستوحاة من رواية “كونت دي مونت كريستو” للكاتب الفرنسي “اليكساندر دوماس” جاءت بالقالب التركي عبر شاب بسيط يُدعى عمر يعود من خدمته العسكرية ليُصدم بخيانة أصدقائه وحبيبته، فيُزجّ به ظلمًا في السجن بتهمة القتل والسرقة.

في الزنزانة، يساعده رجل عصابات على الهروب وتغيير هويته بعد أن يُعتقد أنه مات، فيظهر عمر باسم جديد “إزيل”، كرجل غامض وثري، لينتقم ممن دمّروا حياته، وتغيّرت لتناسب البيئة العربية فكان “مجد” (لجين إسماعيل) الذي خانته حبيبته “حياة” (باميلا الكيك) مع أصدقاء الماضي “عزت” (سامر المصري) و”راغب” (خالد القيش)، فيدخل السجن ويلتقي بـ”الخال” (عباس النوري) الأب الروحي الذي غيّر له أفكاره عن الحياة والخيانة والانتقام قبل وجهه بعمليات التجميل، فيصبح “آسر” (باسل خياط) وبثروته يصنع طُعماً لاصطياد أعداء الحاضر.

مشاعر إنسانية اجتمعت في شخوص العمل كالحب والخيانة والانتقام ضمن قالب تشويقي وإيقاع متسارع للأحداث كانت بمثابة مفاتيح نجح العمل من خلالها بكسر الجليد مع الجمهور العربي، كما أنّ الحضور الجذّاب للنجوم السوريين خصوصية جذبت الجمهور السوري فهو يشتاق إلى مشاهدة نجومه المفضلين ضمن عمل واحد، فأمسك لجين إسماعيل شخصية “مجد” وبمشاعر نقية خالصة أذاقه العشق ثم ودعه في بئر من الخيانة، ليتسلّمه باسل خياط بوجه جديد وعقل وقلب من حديد، كَوّنه وهو يهرب من سجنه بحبل الانتقام، ليجد أدواته كالثراء والمظاهر جاهزة، شخصية تطلّبت أداءً متقناً لباسل كونها مليئة بالضغوط النفسية وتتطلب إحساساً عالياً في العيون وملامح الوجه نيابةً عن الكلام الذي هربت منه في كثير من المواقف، فيما ظهر “الخال” زعيم العصابات (عباس النوري) وكأنه المدرّب الذي علّق جوائزه على الحائط ووجد في “آسر” مكافأة نهاية الخدمة عبر لاعب سيحقق به فوزاً أخيراً.

من جهة أخرى، نجد الانفعالات واضحة لدى “عزت” وقد وظفها سامر المصري بشكل متوازن، فيما المكر يلاعبه خالد القيش عبر “راغب” بأريحية، والندم رغم كل مقومات الثراء يمسك “حياة” باميلا الكيك، أما الأمومة فكان من نصيب “نادين خوري” التي انتقلت بين دموع الحزن وحتى الفرح بخفّة، وربما كان الموقف الأصعب لزهير عبد الكريم وهو يبكي ابنه “مجد” أمام الكاميرا في حين أنه ودع ولده خلفها قبل عدة أشهر بعد أن رحل بمرض عضال وله نفس الاسم.

 

توليفة بلمسات سورية

توليفة تميّزت أيضاً باللمسات السورية في هذه الصنعة، سواء بالإشراف العام لسارة دبوس والتي كان لها العديد من الأعمال مع الراحل حاتم علي، أو وجود الفنان والمخرج المسرحي عروة العربي مدرّباً للتمثيل، وحتى الوجوه الشابة التي وقفت بجانب نجوم بلدهم منهم الفنان ميخائيل صليبي الذي حلّ ضيف شرف لحلقتين وأخبرنا عن هذه التجربة إذ قال في حديث لموقع تلفزيون سوريا: “بالرغم من المساحة الصغيرة إلا أن العمل كان بمثابة تذكرة سفر نحو شريحة أوسع من الجمهور العربي، وهو بما يحمله من مشكلات وقضايا ذات طابع انساني يلامس هذا الجمهور”، وأضاف، “التعامل مع فريق عمل تركي محترف في التصوير والإخراج وإدارة الممثل منحني تجربة مهمة ومختلفة”.

وعن الأداء خصوصاً وأن الشخصية مستنسخة فأجاب: “لمّ أتكئ على الممثل التركي الذي جسّد الدور نفسه، لم يستهويني أداؤه، لذلك قررت العمل عليها وكأنها شخصية في مسلسل سوري لتكون نقطة قوة بالنسبة لي، فجاءت ردود الأفعال إيجابية ولوحظ الفرق، بدى ذلك جلياً لمن شاهد النسخة التركية”.

ميخائيل كشف لنا بعض الكواليس وألقى بضوء حديثه على  البوصلة التي ترشد فريق العمل إلى برّ الأمان، عروة العربي الفنان والمخرج الذي يعود إليه الفضل في نجاح هذه النوعية من الأعمال، وعنه قال: “رغم وجود المترجمين إلا أن العربي الأقرب إلينا حتى نصل إلى الحالة المطلوبة، فهو كحلقة الوصل الفعّالة، يتمتع بقدرة استثنائية على استيعاب وتوصيل المعطيات الفنية المطلوبة من المخرج التركي بلغة سهلة الالتقاط على الممثل السوري، يقدّم الاقتراحات المبتكرة التي تفوق في نضجها تلك المقدمة من الفريق الآخر، العديد من المشاهد التي كنت حاضراً أثناء تصويرها أصبحت أكثر تميّزاً بعد تعديلاته واقتراحاته، التي لولاها لخرجت على الشاشة بحالة أقل من عادية، لديه فهم عميق للجمهور وما يتأثر به”.

مسلسل آسر والذي حصل على المركز الأول بنسب المشاهدات من سوريا على منصة شاهد ليس إلّا محطة توقّف فيها قطار الدراما التركية المعرّبة لبرهةٍ من الزمن وسيتابع سيره بهذا الإبداع السوري الذي ينضج عملاً بعد آخر نحو محطات عديدة ومتنوعة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى