اقتصادمال و أعمال

بعد قرار وزارة الاقتصاد الأخير.. أسعار السيارات تشهد مرحلة جديدة بين التجار والحكومة

لم يفلح قرار وزارة الاقتصاد والصناعة بوقف استيراد السيارات المستعملة من حركة الاستيراد، ولم تهدأ حركة السوق، ويبدو أن غاية الوزارة من القرار لم تحقق هدفها بإبقاء الكتلة النقدية التي تفقدها السوق السورية كل يوم، إذ يستمر تدفق السيارات.

كما بدد القرار الذي تسبب في ارتفاع أسعار السيارات بنحو 1000 دولار أحلام العائلات ذات الدخل المحدود، التي داعبت حلمهم باقتناء سيارة، بعد أن كانت حلماً بعيد المنال أيام النظام المخلوع، ليأتي قرار الوزارة لمصلحة التجار ويرفع من جديد أسعار السيارات.

,حول واقع سوق السيارات وتداعيات قرار الوزارة، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور من ارتفاع للأسعار أو احتمال هبوطها، يقول الخبير بالشؤون الاقتصادية وسوق السيارات الدكتور أحمد السليم: إن قرار وزير الاقتصاد الأخير المتعلق بإيقاف عملية استيراد السيارات المستعملة بشكل شبه كامل واستثناء بعضها القليل، شكل حالة من الجدال الواسع حول ماهية القرار بين مؤيد ومعارض بشدة لمدى جدواه الاقتصادية وانعكاسه على أحلام السوريين البسطاء على وجه الخصوص.

ويضيف السليم: لكي نبدأ بشكل موضوعي علينا أن نعرج على البعد الاجتماعي للموضوع، والاعتراف جميعاً أن ما حدث في الشهور الماضية داعب أحلام الجميع من السوريين بقرب امتلاكهم لسيارة يتمتعون برفاهيتها، بعد أن كانت حلماً بعيد المنال خصوصاً حين وصلت أسعار السيارات إلى مستويات قياسية.

ويتابع: استيقظ السوريون فجأة، فوجدوا انخفاضاً في الأسعار بما يقارب الخمسين% أو أكثر، هنا بدأت الأحلام تصبح بالنسبة لهم حقيقة، مشيراً إلى أنه حتى تتضح الصورة كاملة دعونا نبحر في التبريرات، وما هي الدوافع الاقتصادية وراء سنه قانونياً.

وقال الخبير السليم: لقد صرح وزير الاقتصاد والصناعة محمد نضال الشعار أن القرار جاء لإيقاف الهدر في القطع الأجنبي بناء على كتل نقدية كبيرة ضخت في دول الخليج خصوصاً في تجارة السيارات، وعملت على استنزاف القطع الأجنبي في هذه المرحلة الحساسة من بناء سوريا الجديدة.

ورأى أن هذا التبرير يحمل منطقاً اقتصادياً مقبولاً جداً خصوصاً إذا ما علمنا أن ما يقارب من المليارين دولار، هو قيمة السيارات المستوردة، متسائلاً: هل بالضرورة سيكون هذا القرار هو الحل السحري لاستنزاف القطع الأجنبي بالتوازي مع استثناء السيارات الجديدة؟.

وشدد السليم على أن الرهان كان على الوقت، وعلى عدم قدرة التاجر في استيراد المزيد من السيارات الجديدة مع النظر إلى كم السيارات المتراكمة فوق بعضها دون عمليات بيع كبيرة، خصوصاً مع زيادة المعروض بشكل كبير من السيارات على الطلب الفعلي.

وقال: إذاً وجهة النظر الاقتصادية تقول إنه عندما يتفوق العرض على الطلب لسلعة ما يبدأ الركود بالتكون في خطوات متسارعة، فما بالكم بالكتل النقدية الكبيرة المجمدة في معارض السيارات في جميع أنحاء سوريا؟.

ويلفت إلى أنه من هنا يبرز سؤال مهم، لماذا ارتفعت الأسعار بعد تطبيق القرار؟.. ليقول: إن الأسعار ارتفعت كردة فعل طبيعية على أي قرار اقتصادي يوقف استيراد مادة معينة، بحيث تتماشى “ردة الفعل” مع الهزة التي أحدثها القرار.

وحسب رؤيته، يعتبر الخبير الاقتصادي أن الأسعار لم ترتفع بالحجم المتوقع والطبيعي بعد قرار كهذا، والارتفاع كان مؤقتاً في محاولة من تجار السيارات الاستفادة من زخم الشائعات المرافقة للقرار لتحويله إلى سبب بارتفاع جنوني لأسعار السيارات.

ويبين أن الحقيقة وبمنظور اقتصادي، فإن القرار يصب في مصلحة المواطن على المدى المتوسط وبشكل كبير بما أنه كما أسلف أن المعروض أكبر بكثير من الطلب هذا أولاً.

وأما ثانياً- بحسب السليم، في الأسابيع والشهور القادمة مستوردو السيارات سيضطرون بشكل مؤكد لتخفيض الأسعار وتجنب تجميد رؤوس أموالهم لمزيد من الوقت والمخاطرة بالإبقاء عليها لفترات طويلة مخافة التغييرات الاقتصادية أو القانونية المفاجئة التي قد تعصف بما كسبوه من أرباح هائلة خلال الأشهر الماضية.

وثالثاً، ميلان المواطن السوري عبر السنوات الماضية لآلية التقسيط بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة التي خسر فيها الكثير من مدخراته- إن وجدت، على حد قول الخبير الاقتصادي.

ولفت إلى أن هذا التوجه الشرائي يمكن أن نراه في جميع المجالات، سواء على مستوى العقارات والجمعيات السكنية إلى الأدوات الكهربائية التي كانت تتوفر بنظام الأقساط من فترة لأخرى.

وبالعودة إلى السيارات وربط تجارتها بالسلوك الشرائي المذكور أعلاه، رأى السليم أن الأسعار ستنخفض بشكل مجنون عندما تبدأ الوكالات الرسمية بطرح عروض التقسيط على السيارات الجديدة على الرغم من سعرها المرتفع.

لكنه في الوقت ذاته رأى أن المبررات التي طرحتها وزارة الاقتصاد فيما يتعلق برداءة الجودة التي تحملها تلك السيارات والعمل على استيراد سيارات ذات جودة أعلى.. من حيث المبدأ الحجة مقنعة اقتصادياً، ولكن السؤال المهم: لماذا الآن؟!.. إذا كانت الوزارة تضع موضوع الجودة في الحسبان عندما تتخذ قراراً كهذا كان يفترض عليها إيقاف الاستيراد منذ اليوم الأول لتولي مسؤوليها مهامهم، وعدم التأخر كل هذا الوقت، أو وضع ضوابط فنية بحتة بالتعاون مع الوزارات المعنية للسماح أو الرفض للسيارات وفق ضوابط جودة محددة من الجهات المعنية.

ورأى الخبير السليم أن هذا القرار بشكله الصادم من حيث التوقيت أعطى شعوراً سيئاً لدى المواطنين أن وراء الأكمة ما وراءها، وقال: ألم يكن حرياً بمن نظم بنود هذا القرار أن يعطي مهلة زمنية تعطي المواطن المتردد ليتخذ قراراً نهائياً بكمية أمواله البسيطة لشراء سيارة أحلامه المتواضعة.

مضيفاً: صحيح كما أسلفنا أن الأسعار لم ترتفع بالشكل المتوقع لأن النتائج الاقتصادية العلمية فاقت نتائج قانون الشائعات الشعبوي، لكن الألف دولار التي ارتفعت بها الأسعار تشكل رقماً كبيراً لغالبية مواطني هذا الوطن المثقل بالأعباء الاقتصادية.

وأوضح السليم أن هذه الورقات العشر من فئة المئة دولار تحتاج لدراسة جدوى اقتصادية كاملة وأخذ جميع الاحتياطات، كونها مرتبطة بالحرمان بعض الأحيان من أبسط الرفاهيات لتوفير هذا الفرق السعري الذي حصل.

ورأى أن مثل هذه القرارات تفقد المواطن الثقة، مشيراً إلى أن الثقة في الاقتصاد لمن لا يعلم هي من أهم عوامل بنائه، ووضع أساساته المتينة على المدى الطويل، وعليه لا يمكن اتخاذ القرارات الاقتصادية بعيداً عن أهل المعرفة والخبرة وإغفال دورهم ورؤيتهم.

وختم السليم: إن مرحلة التحسر على هذا الأمر بين التجار من جهة، والجهات الحكومية ستنتهي لمصلحة الأخيرة والمواطن بالدرجة الأولى، مع القليل من الصبر المطلوب والمراهنة على تقبل التجار للواقع والبدء بتصريف ما تراكم لديهم من سيارات.

المصدر: صحيفة الثورة

زر الذهاب إلى الأعلى