نهر بردى يحتاج إلى خطةٍ إنقاذ لا تنظيفاً سطحياً !!

على الرغم من الجهود التي تبذلها محافظة دمشق بشكل شبه يومي لتعزيز نظافة نهر بردى، وصيانة المرافق المحيطة به، فإن المشهد العام للنهر لا يزال يوحي بتراجع بيئي حاد، لا تخطئه العين، ولا تخففه محاولات التجميل الظاهري.
عمال النظافة والصيانة في محافظة دمشق يتنقلون بين الضفاف, والآليات تجرف ما أمكن من النفايات المتكدسة في المجرى، ومشاريع التأهيل تعلن بين الحين والآخر، لكن النهر الذي شكل لقرون رفيق دمشق الدائم، مازال يختنق بين شح المياه وتزايد التلوث في ظل غياب استراتيجية شاملة حتى الساعة تضمن إحياءه لا فقط تنظيفه.
أستاذ التخطيط البيئي في جامعة دمشق الدكتور علي السمان, قال “لقد تحول بردى من رمز للجمال والحياة إلى مصدر للروائح الكريهة وبيئة طاردة، ليس بسبب عامل واحد، بل نتيجة سلسلة من التراكمات المناخية والبيئية والإدارية ابتداء من جفاف المنابع إلى تفاقم التعديات البشرية، مروراً بتراجع كفاءة البنية التحتية ليجد هذا الشريان التاريخي نفسه أمام واقع مهدد يعجز معه التنظيف الدوري والصيانة الموضعية عن تغيير الصورة بشكل جذري”.
وأضاف: ما ينفذ اليوم من أعمال على أهميته لا يعالج جذور المشكلة، فنحن نتعامل مع أعراض مرض بيئي مزمن، فيما أصل الداء يكمن في مصادر التلوث والانخفاض الحاد في المنسوب المائي، موضحاً أن بردى لم يعد نهراً بمفهومه الطبيعي، بل تحول إلى مجرى مفتوح لتصريف مياه الصرف الصحي في بعض المناطق.
وكانت محافظة دمشق قبل أعوام قد أعلنت انطلاق مشروع إحياء نهر بردى بالتعاون مع المعهد العالي للتخطيط الإقليمي وجامعة دمشق، والذي يتضمن إعادة تأهيل المجرى في مقاطع محددة، ورفع المصبات العشوائية وإنشاء محطات للمعالجة البيئية باستخدام تقنيات نباتية، إضافة إلى إعادة تنظيم الحرم النهري، وقد بلغت الكلفة التقديرية للمرحلة الأولى آنذاك نحو 8 مليارات ليرة، لكن التنفيذ بقي محصوراً ضمن مناطق محدودة، وسط تأخر باقي المراحل لأسباب تتراوح بين التمويل والصلاحيات الإدارية، وقبله، وفي عام 2014 كانت وزارة الإدارة المحلية آنذاك خصصت مبلغ 14 مليار ليرة لإعادة إحياء النهر لكن كل هذه المليارات ابتلعتها حيتان الفساد من دون أن ينال النهر أي نصيب من هذه المشاريع.
إن إحياء نهر بردى لا يعني فقط إعادة تدفق المياه إلى مجراه بل استعادة علاقة مدينة بأحد أعمدتها الحضارية، فالنهر بما يحمله من ذاكرة وموارد، يستحق أن يعامل ككنز بيئي وإنساني.. لا مجرى مهمل تنتظر عليه عربة النظافة في الصباح، وتنساه المؤسسات عند أول قطرة مطر.
المصدر: صحيفة الثورة