توقف إصدار البطاقات الشخصية في سوريا أعباء بيروقراطية ومالية

يواجه آلاف السوريين والعائدين من النزوح أو بلدان اللجوء تحدّيًا يوميًا في إنجاز معاملاتهم الرسميّة نتيجة لعدم امتلاكهم بطاقات شخصيّة، ما يدفعهم إلى الاعتماد على “بيان قيد فردي مدني” أو ما يُعرف شعبيًا بـ”إخراج القيد” كبديل يرافق كل معاملة صغيرة أو كبيرة.
هذه الوثيقة تحتاج إلى رحلة تبدأ من السجل المدني، ثم المختار، ثم البلديّة، لتتحوّل كل خطوة إدارية إلى رحلة كاملة يضطر المواطن إلى تكرارها مرارًا، ناهيك عن الأعباء الماليّة التي يضطر إلى تحمّلها، كمصاريف التنقّل والصور الشخصيّة وأتعاب المخاتير.
طالب جامعي عاد مؤخرًا إلى بلدته بعد سنوات من النزوح، فوجد نفسه غارقًا في حلقات الروتين، فعدد من المعاملات الرسميّة التي يجريها، ومنها نقل مماثل للكليّة التي يدرس فيها، تحتاج إلى مجموعة من الوثائق، من ضمنها صورة عن البطاقة الشخصيّة.
ورغم بساطة الطلب، فإن عدم امتلاكه بطاقة شخصيّة يجعل كل معاملة أشبه بإعادة بناء الملف من الصفر، إذ يحتاج وثيقة قيد ممهورة مع صور شخصيّة، وختم من المختار، وتوقيع من البلديّة.
يقول إنه استخرج ثلاث نسخ من وثيقة “إخراج القيد” فهو يحتاجها للعديد من المعاملات التي يجريها، مضيفا أنّه يضطر لاستخراج هذه الوثيقة التي تستهلك وقته وأمواله بسبب توقّف إصدار البطاقات الشخصيّة، ولا يملك اليوم أي بديل سوى الاستخراج المتكررة للوثائق المؤقتة.
وتبدو المشكلة أكثر تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بفرص العمل أو التقدّم إلى مسابقات وظيفيّة.
إحدى المتقدّمات لمسابقة الترجمة التي أعلنت عنها وزارة العدل اضطرت هي الأخرى إلى رحلة السجل المدني فالمختار فالبلدية، فقط لتأمين وثيقة بديلة عن البطاقة الشخصيّة، فلا خيار آخر أمامها، إذ إنّ المسابقة تتطلّب وثائق رسمية لا تُقبل إلا مستوفية الشروط، والمعاملة لا تُعتمد إلا إذا احتوت على قيد سجلّ مدني توضع عليه صورة ممهورة من المختار وموقّعة من البلديّة.
والأمر لا يقف عند حدود الطلبة والموظفين والباحثين عن فرصة عمل، فالآلاف ممن عادوا إلى مناطقهم بعد تحريرها يواجهون معضلة إضافية، لا بطاقات شخصية، ولا إمكانية لإصدارها.
يتجاوز تأثير توقّف إصدار الهويات حدود الداخل السوري ليصل إلى السوريين المقيمين في دول اللجوء، فقوانين تلك الدول تفرض على اللاجئ عدم دخول بلده الأصلي، لأنّ ذلك قد يؤثّر مباشرة على ملف لجوئه أو يؤدي إلى إلغائه بشكل كامل، ورغم رغبة كثيرين في زيارة أهاليهم بعد تحرير سوريا، إلا أنّهم مضطرون للالتفاف على هذه المعضلة، ولهذا يلجأ عدد من السوريين في أوروبا إلى السفر أولًا نحو لبنان أو الأردن، ثم يدخلون إلى سوريا باستخدام البطاقة الشخصية بدلاً من جواز السفر، لكي لا يُسجّل الدخول رسميًا على الجواز، وبالتالي يبقى ملفّهم القانوني في بلد اللجوء سليمًا.
لكنّ المشكلة أن كثيرين منهم لا يملكون أصلًا بطاقات شخصية، إما لأنهم خرجوا من سوريا في ظروف قصف خانقة تركوا فيها أوراقهم خلفهم، أو لأنّهم كبروا في بلاد اللجوء ولم يستصدروا هويات سورية من قبل.
هذه الفئة تمثّل اليوم واحدة من أكثر الفئات تضرّرًا، فهم لا يستطيعون الدخول بجوازاتهم، ولا يملكون بطاقات، ولا توجد آلية عملية سهلة تتيح لهم استخراج وثائقهم من الخارج من دون الحضور شخصيًا إلى سوريا، وهكذا يتحوّل الملف من مجرد معاملة متوقفة، إلى حاجز نفسي وقانوني يمنع آلاف الأشخاص من زيارة ذويهم أو متابعة شؤونهم العقارية أو العائلية داخل بلدهم، إلّا بعد معاناة طويلة لاستخراج “بيان قيد فردي مدني” خارجي، إذ يجب أن تضاف إليه تصديقات من وزارة الخارجيّة.
يقول أحد الأشخاص الذي ينوي القدوم من ألمانيا لزيارة ذويه بعد 12 عاما, إنّه لم يحصل على الجنسيّة الألمانيّة حتّى الآن، وهو مازال يقيم تحت بند الحماية، ولا سبيل إلى زيارة سوريا سوى قدومه عبر لبنان بجواز سفره السوري، ثمّ الدخول إلى سوريا ببطاقته الشخصيّة.
في مبنى السجلّ المدني بمجمّع يلبغا في ساحة المرجة وسط العاصمة دمشق، يحتشد عشرات المراجعين لاستخراج “قيد سجل مدني” وفي معظمهم يطلب أكثر من وثيقة، لاستخدامها في المعاملات المختلفة.
وفي حين لم تتجاوب إدارة السجل المدني بالتنسيق للحصول على معلومات رسميّة حول سبب توقّف إصدار البطاقات الشخصيّة، كشف موظّف في السجل المدني، طلب عدم ذكر اسمه، إنه لا توجد خطّة زمنيّة واضحة للبدء باستخراج بطاقات شخصيّة.
يقول الموظّف إنّ توقّف استخراج البطاقات الشخصيّة لا يؤرّق المواطنين فحسب، بل يشكّل ضغطا كبيرا على موظّفي السجل المدني، فالمراجعين في معظمهم يأتون من أجل هذه الوثيقة، مضيفا أنه لا يوجد حتّى لدى مديريهم إجابة واضحة عن موعد البدء بالعمل على استخراج البطاقات الشخصيّة، ودائما ما تكون الإجابة أنّ البنية التحتيّة والهويّة البصريّة لم تنجز بعد.
المصدر: تلفزيون سوريا
