البضائع المستوردة تهدد محلات سوق الخجا بدمشق بالكساد

يواجه حرفيو وتجار سوق الخجا المتخصص بالحقائب في دمشق تحدياتٍ متزايدة بسبب دخول البضائع المستوردة التي تهدد استمرارية العمل داخل السوق، وتضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة، في ظل غياب إجراءات فاعلة لحماية الصناعة الوطنية.
“حماية الصناعة الوطنية لم تعد خياراً بل ضرورة ملحة” بهذه الكلمات, بدأ أمين سر المجمع التجاري في سوق الخجا، خالد حديد، حديثه لـ سانا، مشيراً بقلقٍ إلى مهنٍ توارثها الأبناء عن الآباء وهي الآن تواجه خطر التراجع.
وأضاف حديد: المنتج الوطني لا يستطيع الصمود أمام البضائع المستوردة في ظل غياب جمركةٍ عادلة تفرض رسوماً منصفة على البضائع الأجنبية، إلى جانب غياب الدعم الكافي للحرفيين المحليين الذين يواجهون ارتفاعاً كبيراً في تكاليف الإنتاج، وتراجعاً في القدرة الشرائية.
وقال حديد بأسفٍ واضح: الكثير من الورش الصغيرة أغلقت أبوابها بعدما عجزت عن مجاراة الأسعار أو تصريف منتجاتها، فالبضائع المستوردة تعرض بأسعار أقل نتيجة انخفاض الرسوم الجمركية عليها، في حين يتحمل المنتج الوطني ضرائب مرتفعة وتكاليف إنتاج عالية.
وتابع حديد: نحن لا نرفض الضرائب، فهي جزء من الاقتصاد، لكن المطلوب أن تُطبّق بعدلٍ وتوازنٍ، حتى تبقى للصناعة السورية مكانتها ونبضها في هذه الأسواق.
على الجانب المقابل من السوق، يجلس باسم غزال أمام محله الذي كان يوماً يعج بالحركة والزبائن، يمسح الغبار عن حقيبة عرضها قرب الباب وقال بحسرة: كانت الحركة تملأ السوق، أما اليوم فتمر ساعات النهار ونحن ننتظر من يدخل ليسأل فقط، لا ليشتري.
ويتابع غزال، وهو يقلب بين يديه قطعة جلدية صنعها بنفسه: المنتج الوطني يواجه تحدياتٍ كبيرة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وعدم استقرار سعر الصرف، ما يجعل تقديم عروضٍ منافسةٍ للبضائع المستوردة أمراً شبه مستحيل، فنحن نعمل بتكاليف تشغيل مرتفعة، بينما تدخل المنتجات الأجنبية بأقل التكاليف.
قصة غزال تتكرر مع كثيرين من أبناء السوق، ومنهم الحرفي محمد عرّاج الذي جاوز الخمسين من عمره وما زال يحرص على فتح ورشته كل صباح رغم قلة الزبائن، حيث يقول عرّاج: دخول البضائع الأجنبية أثر بشكل مباشر على الصناعة المحلية، وخاصة في قطاع الحقائب الذي كانت سوريا من الدول القليلة في المنطقة التي حافظت على تميزه وجودته.
لم يعد سوق الخجا مجرد مكانٍ لشراء الحقائب الجلدية وحقائب السفر والمستلزمات المدرسية، بل تحول إلى ذاكرةٍ دمشقيةٍ نابضة تختزن حكاياتٍ وذكرياتٍ لأجيالٍ من أبناء المدينة.
ويقول سعيد الطيب: كانت والدتي تأخذني إلى سوق الخجا كل عام قبل المدرسة، أما اليوم فأذهب وحدي لأشتري حقيبة للسفر بعد وفاتها، فأشعر أنني أودع جزءاً من طفولتي، فهذا المكان شهد بدايتي الدراسية، واليوم يشهد بدايتي في الاغتراب.
ليس بعيداً عنه، تقف أم وائل أمام واجهة أحد المحال تبحث عن حقيبةٍ نسائيةٍ تليق بها، وعند سؤالها إن كانت وجدت ما تريد، تجيب بتنهيدةٍ طويلة: الأسعار مقبولة، لكن لا أملك ثمن ما أريد، كنت سابقاً لا أزور السوق إلا وأشتري لي ولأختي، أما اليوم فربما أجد حاجتي على البسطات.
رئيس لجنة الجلديات في غرفة تجارة دمشق محمد خير درويش حذر من تفشي ظاهرة التهريب وارتفاع تكاليف الإنتاج، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على تنافسية المنتج الوطني في السوق المحلية.
وأوضح درويش أن كمياتٍ كبيرة من البضائع الجاهزة، ولا سيما الأحذية والحقائب والأحزمة، تدخل الأسواق عبر منافذ غير شرعية وتُعرض بأسعار منخفضةٍ جداً، لا يمكن للمنتج المحلي منافستها، داعياً إلى تشديد الرقابة على المعابر وضبط عمليات التهريب، إضافة إلى فرض رسومٍ جمركيةٍ دقيقة على المهربات.
وأشار درويش إلى أن خطوط الإنتاج المحلية تعاني من صعوباتٍ تشغيليةٍ ناجمةٍ عن ارتفاع تكاليف المحروقات والكهرباء، فضلاً عن عدم استقرار سعر الصرف، ما يؤدي إلى تذبذب أسعار المواد الأولية وتكبيد الصناعيين خسائر كبيرة.
ودعا درويش إلى دعم حوامل الطاقة للصناعيين والحرفيين، أسوةً ببعض الدول المجاورة، لتخفيف الأعباء عن المنتج المحلي، وضمان استمرارية هذه الصناعة العريقة التي شكّلت جزءاً من هوية الاقتصاد السوري.
الجدير بالذكر أن بدر الدين الشلاح رئيس غرفة تجارة دمشق الأسبق ذكر في كتابه “المسيرة التجارية” أن سوق الخجا شُيّد في أواخر القرن التاسع عشر على سور قلعة دمشق الملاصق لسوق الحميدية، كسوقٍ لبيع الحقائب والجلديات، وحمل هذا الاسم نسبةً إلى عائلة الخجا التي كانت تدير عدداً من محاله، لافتاً إلى أن السوق تعرض لحريقٍ كبيرٍ أتى على عددٍ من محاله، فبادر أصحابها بالتعاون مع الوالي العثماني آنذاك إلى وضع سقفٍ من الحديد والتوتياء لحمايته من الحرائق، على غرار ما جرى في سوق الحميدية المجاور له.
وفي عام 1982 اتخذت محافظة دمشق قراراً بهدم السوق لأنه كان يحجب جزءاً مهماً من سور قلعة دمشق، وتم بناء السوق الجديد في شارع الثورة حيث انتقل التجار والحرفيون إلى موقعه الجديد عام 1985، ليستمر هذا الاسم حاضراً في ذاكرة الدمشقيين، شاهداً على تاريخٍ طويلٍ من الحرفة والعراقة.
